الاتقان ..عنوان النجاح

النجاح فرحة و الفشل دمعة ...
و بين النجاح و الفشل شعرة ...
و بين البسمة و العويل عمل و فكرة ..
و كل امرئ يحب الفرح و السعادة الذي يجانف البؤس و التعاسة ...
غير أن سر الابتسامة يكمن في النجاح .. و سعة الابتسامة تقدر في عظمة هذا النجاح ... و بقاء هذه السعادة حسب كثرة المنتفعين بهذا النجاح ...
و النجاح كالطفل .. لا يزال يربو مع صاحبه،إن لازم صاحبه شروط نموه السليمة ..
و أعظم هذه الشروط : اتقان العمل ..
فهو سر النجاح و كنـزه الدفين و مفتاحه العجيب ... به يزكو و يعلو ، و بملازمته يستحق الثناء و المدح في السماء و الأرض ، و بقدرته العجيبة يخلد صاحبه في القلوب و العقول عبر العصور..
و هو السمة المشتركة لعظماء خلدهم التاريخ ، و سمّى بأسمائهم الشوارع و القصور .. و تناشد الشعراء بمدحهم ، و ترنم الأحفاد بأمجادهم ... 

       إن الاتقان جوهر النجاح و نواته العظيمة و عنوانه الأصيل ... و هو صفة لازمة للمؤمن المحسن و للدين القويم .إن عدم اتقان العمل جعلنا لا نهتم بتحسين عملنا وتطويره, لقد صرنا أمة يصدق عليها وصف “أمة ماشي الحال”, بمعنى أننا نقبل بالعمل بأقل مواصفات الجودة, ونتغاضى عن سوء التنفيذ, ونقول “ماشي الحال” فنهدر مالنا, ووقتنا وجهدنا, ولا نحصل على عمل متكامل مفيد, والأهم من ذلك أننا لا نسعى نحو التطوير والتحسين وتلافي الأخطاء, فحين أطلب من نجار مثلاً أن يصنع لي طاولة, ويقوم هو بصنعها بطريقة غير متقنة فلا يراعي دقة التنفيذ, ولا يختار المواد المناسبة, وتخرج القطعة من بين يديه وهي تعاني من مشكلات كثيرة, ومع ذلك أقبلها منه (وذلك طبعاً لاعتبارات كثيرة قد يصنفها بعضهم تحت بند التسامح, وهذا خطأ كبير برأيي, لأن هذا ليس تسامحاً, بل هو شيء آخر يمكن تسميته بالتراخي).

       عندما أقبل منه هذه القطعة غير المتقنة فإنني بذلك قبلت بهدر مالي, وبهدر وقتي, وبهدر جهد العامل ووقته, ولم أساعد هذا العامل على تطوير عمله وكسب مهارات جديدة تمكنه من تلافي الأخطاء الذي وقع فيها أولاً, وجعلت عمله غير متقن.

        بينما لو أنني رفضت استلام هذا العمل لعيوبه, واهتم العامل بأن لا يُخرج من ورشته إلا قطعة متقنة, لسعى إلى تحسين مهاراته, فوفر علي مالي ووقتي, ومكنني من استخدام ما أريد على أحسن صورة وبأقصى فائدة.

        وكلنا يلمس مدى الآثار الكارثية لعدم اتقاننا لعملنا في كافة المجالات الاقتصادية والتعليمية والطبية والحياتية مما جعلنا نهدر كثيراً من إمكاناتنا المادية والمعنوية, التي نحن في أشد الحاجة إليها فمجتمعنا يحتاج إلى تغيير جذري في مفاهيم العمل وأهمية الإنتاج ويحتاج إلى تعليم مكثف لأهمية الإتقان لكل عمل يقوم به.


      فإننا إن لم نسعَ لتغيير هذا المجتمع إلى الأفضل والأحسن، وسنظل عالة على غيرنا نستهلك ما يصنعون وينتجون ونمارس فضيلة المناقشة والجدال والتنظير والتجديد للشعارات والأماني وأحلام اليقظة التي أدمنها مجتمعنا.

       فالمجتمع المتقن هو المجتمع الذي يبشر بالحضارة والرفاهية والنظام والتخطيط والإنتاج والازدهار، وهو المجتمع المعصوم من الفوضى والتسيب، والمبرأ من الأمية والجهل والخرافة، وكل مظاهر التخلف الحضاري والعلمي، وهو المجتمع الذي يربط الأسباب بالمسببات، والنتائج بالمقدمات، ويكتشف قوانين الله في الكون، ويحسن التعامل معها والاستفادة منها


      والذين يظنون أننا يمكن أن نقوم بنهضة أو أن نحدث تغييراً في المجتمع دون تمثل هذه القيم –فهم واهمون- لأن هذا النوع من التغيير سيكون تغييراً شكلياً مظهرياً أجوف لا قيمة له في الحياة ولا أثر له في عملية التنمية والتقدم وسنظل نحرث في البحر ونضرب في حديد بارد.فوصف الإتقان وصف الله بها نفسه لتنقل إلى عباده ويتمثلوها
(صنع الله الذي أتقن كل شئ) النمل

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *